وأنا أسيرُ على نَهرِ دِجلةَ أتأمَّلُ جَريانَ مائِهِ وأُحَدِّقُ فِيهِ ، شَعَرتُ
كأنَّ النَهرَ يَستَوقِفُني عِندَ مَوضِعٍ على شاطِئِهِ ، وراحَ يَحكي لي حِكايةً سَبَقَ لهُ حِكايَتُها مِراراً على ضمائرِ الأََجيالِ السالِفَةِ وقُلوبِها ، فَتَصَدَّعَ قَلبِي ، وانفَجَرَتِ الدُمُوعُ عَلى وَجنَتَيَّ ، فَلَم أَستَطِعِ التَحَكُّمَ بِأَعصابِي ، فوَجَدتُ نَفسِي أَصرُخُ بِأَعلى صَوتِي : مَن مِنكُم لا يَعرفُ نَهرَ دِجلَةَ ؟
هذا النَهرُ الذِي يَشُقُّ بَغدادَ إلى نِصفَينِ ، هَل وَقَفتُم عَلى شاطِئِهِ ، وَتَأَمّلتُم نَزِيفَ دُمُوعِهِ ؟ هَل استَمَعتُم إِليهِ بِقُلُوبِكُم وَضَمائرِكُم ؟ إنَّهُ منذُ سَنَةِ ( 183 هـ ) وَهُوَ يَروِي لِلأََجيالِ حِكايَةً مُفجِعَةً ، لَمْ تَشهَد بَغدادُ أَفجَعَ مِنها ، ولِذلِكَ فَهُوَ يَروِيها وَكأَنَّها وَقَعَتْ بِالأََمسِ القَرِيبِ .
وفِي ذلِكَ اليومِ كَأَنَّ شَمسَ بَغدادَ انفَجَرَتْ ، وَتَشَظَّتْ فِي قُلوبِ شِيعَةِ آلِ الرَسُولِ ( صلى الله عليه وآله ) ومُحِبِّيهِم ، فَبَكَتِ السماءُ دَماً ، وَصَرَخَتْ بَغدادُ بِأَعلى صَوتِها : كَذِبتُم وَاللهِ حِينَ سَمَّيتُمُونِي ( مَدِينَةَ السلامِ ) ، أَيُّ سلامٍ هذا وَأَنا أَشهَدُ فِي كُلِّ يومٍ ظُلمَ بَني العبّاسِ وَجَورَهُم ، وَوُلُوغَهُم فِي سَفكِ الدِماءِ ، وإِغراقَهُم فِي الفَسادِ ؟!
حَتّى شَهِدتُ هذه الجنازَةَ مِنْ آلِ الرَسولِ المَلفُوفَةَ بالسوادِ على الجِسرِ ويُنادى عَليها بِالأََقاوِيلِ والتُهَمِ الباطِلَةِ ، أيَّ جَهلٍ تَحمِلُونَ في رُؤُوسِكُم ؟ وأَيُّ حِقدٍ جَعَلَ مِنْ قُلوبِكُم صُخُوراً ؟
فَقَطَعتُم الغُصنَ المُفعَمَ بالطِيبِ مِن شَجَرَةِ النُبُوَّةِ ، وطَرَحتُمُوهُ عَلى الجِسرِ بِبَغدادَ ، أَهكَذا تَفعلُ النُفُوسُ الخَسِيسَةُ حِينَ يُسَيطِرُ عَلَيها اللُؤمُ والَتمَلُّقُ والتَزَلُّفُ كَي تَتَقَرَّبَ بِذلِكَ إلى الحُكّامِ وَالجَلاّدِينَ بِاضطِهادِ دُعاةِ الهُدى ، وَسَفكِ دِمائِهِم ، فهَلْ سَأَلَ هؤُلاءِ أَنفُسَهُم عَمّا يَفعَلُونَهُ مِنْ جَورٍ وَظُلمٍ لِمَ يَفعَلُونَ ذلِكَ ، أَمِن أَجلِ جَاهٍ زائِفٍ .
أَو مُتَعٍ فانِيَةٍ مُنطَلِقَةٍ مِن ضِعَةٍ نَفسِيَّةٍ وَإِحساسٍ بالنَقصِ والحَقارَة ، وحاجةٍ إلى رِضى الآخَرِينَ وَقَبُولِهِم .
وأَنا أُجَفِّفُ دُمُوعِي نَظَرتُ إلى وُجوهِ الناسِ مِن حَولِي ، فَرَأَيتُ دُمُوعَهُم قَد حَفَرَتْ أَخادِيدَ على وَجَناتِهِم ، وَتَصَدَّعَت قُلُوبُهُم وَكَأَنَّهُمْ يُشاهِدُونَ مِن جَديدٍ أَحداثَ ذلِكَ الزَمَنِ أَمَامَهُم .
فتَقَدَّمَ مِن بَينِهِم شَيخٌ كَبيرٌ تَتَخَضَّبُ لِحيَتُهُ البَيضاءُ بِدُموعِهِ ، لِذا فَهُوَ يُكَلِّمُنِي بِأَنفاسٍ مُتَقَطِّعَةٍ : يا بُنَيَّ ، لَقَد نَقَلَ لنا التأريخُ ظُلمَ الحُكّامِ وَجَورَهُم لآَِلِ بَيتِ رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَإنكارِ إمامَتِهِم وَخِلافَتِهِم ، والإِِمامُ مُوسى بنُ جَعفَرٍ الكاظمُ ( عليه السلام ) ، رَغمَ أَنَّ حياتَهُ خَضَعَتْ إلى الرَقابَةِ الشَدِيدَةِ .
وَتَنَقَّلَ بَينَ السُجونِ والمُعتَقلاتِ إلاّ أَنَّهُ كانَ يُتابِعُ رِسالَةَ آبائِهِ فِي نَشرِ العُلومِ والحَدِيثِ والأََخلاقَ ، وكانَ يُدافِعُ عَن الإِِسلام وَيَرعَى المُسلِمِينَ .
وأَبسَطُ ما رُوِيَ عَنه أَنَّهُ إِذا أَعطى إلى فَقِيرٍ صُرَّةً مِنَ المالِ جَعَلَتهُ يَستَغنِي بِها ، فَلَم يَعُدِ الفَقرُ يَعرِفُ طَرِيقاً إِليهِ .
يا شَيخي ، وَكَيفَ لا يَكُونُ كَذلِكَ ؟! أَلَم يَكُن إِماماً مَعصُوماً مُفتَرَضَ الطاعَةِ مِن آلِ رَسُولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ؟!
وَهذا ما كانَ يُغِيضُ الحاكِمَ العَبّاسِيَّ هارونَ الرَشِيدَ ، وَيَجعَلُهُ يُفَكِّرُ بِاغتِيالِهِ والتَخَلُّصِ مِنهُ كُلَّما سَمِعَ أَنَّ الناسَ مُلتَفُّونَ حَولَهُ يَسأَلُونَهُ فِي أُمُورِ دِينِهِم وَيَنهَلُونَ مِن عِلمِهِ ، وَيُسَلِّمُونَ لَهُ الحُقوقَ مِن خُمسٍ وَزَكاةٍ .
وَمِنَ المُفجِعِ فِي الأََمرِ أَنَّ الذِي وَشى بِأَمرِهِ إِلى الرَشِيدِ هُوَ أَحَدُ المُقَرَّبينَ مِنَ الإِِمامِ مُوسى الكاظم ( عليه السلام ) وَقَد دَفَعَهُ حُبُّهُ لِلدُنيا وطَمَعُهُ وَجَشَعُهُ إلى الوُقُوفِ بَينَ يَدي الحاكِمِ العَبّاسِيِّ لِيُفضِي بِأَسرارِ الإِمامِ مُوسى الكاظمِ ( عليه السلام ) ، مِمّا جَعَلَ الرَشيدَ يَشعُرُ بِخَوفٍ شَدِيدٍ عَلى كُرسِيِّهِ وَسُلطانِهِ ، فَبَعَثَ إلى الإِِمامِ ( عليه السلام ) مَن يَأتِيهِ بِهِ لِيُودِعَهُ السِجنَ .
وهنا تَوَقَّفتُ عَنِ الكَلامِ ، فَالتَفَتَ الشَيخُ إِلى الناسِ الُمجتَمَعِينَ حَولَنا مُخاطِباً إِيّاهُم : هَل تَعرِفونَ مَاذا قَالَ هارُونُ الرَشِيدُ لِلإِِمامِ مُوسى الكاظِمِ ( عليه السلام ) ؟ .
لَقَد قَالَ لَهُ : كَيفَ جَوَّزتُم لِلناسِ أَن يُنسِبُوكُم إِلى رَسُولِ اللهِ ، ويَقُولُونَ لَكُم يا أَبناءَ الرَسُولِ وَأَنتُم بَنُو عَليٍّ ، وَإنّما يُنسَبُ المرءُ إِلى أَبِيهِ لا إِلى أُمِّهِ ؟
أَلَم يَتَدَبَّرِ الرَشيدُ فِي القرآنِ الكَرِيمِ ، كَيفَ لا يَعرِفُ مَعنى قَولِ اللهِ تَعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) آل عمران : 61 .
وَقَدِ اتَّفَقَ المُسلِمُونَ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ النَبِيَّ ( صلى الله عليه وآله ) دَعا عَلِيّاً وفاطِمَةَ والحَسَنَ والحُسينَ ( عليهم السلام ) ، فَكانَ عليٌّ نَفسَ النَبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وَكانَتْ فاطِمَةُ ( عليها السلام ) نِساءهُ ، وكانَ الإِمامان الحَسنِ والحُسينِ ( عليهما السلام ) أَبناءه .
فَلِمَ يَسألُ هارُونُ الرشيدُ الإِمامَ الكاظِمَ ( عليه السلام ) هذا السؤالَ ؟ هَل هُوَ جَهلٌ مِنهُ ، أَم إِنَّهُ اعتِراضٌ عَلى أَمرِ اللهِ ؟!
وهُنا سأَلَ أحدُ الحاضرِينَ : وَماذا فَعَلَ هارونُ الرشيدُ بَعدَ ذلِكَ ؟ فَأَجابَهُ الشَيخُ : جَعَلَ الإِمامَ الكاظِمَ ( عليه السلام ) يَتَنَقَّلُ مِن سِجنٍ إلى سِجنٍ ، حَتّى سَجَنَهُ آخِرَ الأََمرِ في بَغدادَ .
وَفِي سِجنِ بَغدادَ قُدِّم لِلإِِمامِ الكاظِمِ ( عليه السلام ) طَبَقٌ مِن تَمرٍ مَسمُومٍ ، وَتَناوَلَ مِنهُ الإِمامُ ، فَصارَ يَتَلَوَّى مِن شِدَّةِ الأََلَمِ ، وبَقِيَ عَلى هذه الحالةِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ يُعانِي مِن تَمَزُّقِ أَحشائِهِ حَتّى فارَقَ ( عليه السلام ) الحَياةَ .
وبَعدَ ذلِكَ شَاهَدتُ الشَيخَ يَتَّجِهُ نَحوَ مَرقَدِ الإِمامِ ( عليه السلام ) ، وَقَد مَشى خَلفَهُ الحاضِرُونَ ، فَتَبِعتُهُم بَعدَ أَن عَرفتُ أَنَّهُم ذاهِبُونَ لِزِيارَةِ ضَرِيحِ الإِِمامِ مُوسى الكاظمِ ( عليه السلام ) .
كأنَّ النَهرَ يَستَوقِفُني عِندَ مَوضِعٍ على شاطِئِهِ ، وراحَ يَحكي لي حِكايةً سَبَقَ لهُ حِكايَتُها مِراراً على ضمائرِ الأََجيالِ السالِفَةِ وقُلوبِها ، فَتَصَدَّعَ قَلبِي ، وانفَجَرَتِ الدُمُوعُ عَلى وَجنَتَيَّ ، فَلَم أَستَطِعِ التَحَكُّمَ بِأَعصابِي ، فوَجَدتُ نَفسِي أَصرُخُ بِأَعلى صَوتِي : مَن مِنكُم لا يَعرفُ نَهرَ دِجلَةَ ؟
هذا النَهرُ الذِي يَشُقُّ بَغدادَ إلى نِصفَينِ ، هَل وَقَفتُم عَلى شاطِئِهِ ، وَتَأَمّلتُم نَزِيفَ دُمُوعِهِ ؟ هَل استَمَعتُم إِليهِ بِقُلُوبِكُم وَضَمائرِكُم ؟ إنَّهُ منذُ سَنَةِ ( 183 هـ ) وَهُوَ يَروِي لِلأََجيالِ حِكايَةً مُفجِعَةً ، لَمْ تَشهَد بَغدادُ أَفجَعَ مِنها ، ولِذلِكَ فَهُوَ يَروِيها وَكأَنَّها وَقَعَتْ بِالأََمسِ القَرِيبِ .
وفِي ذلِكَ اليومِ كَأَنَّ شَمسَ بَغدادَ انفَجَرَتْ ، وَتَشَظَّتْ فِي قُلوبِ شِيعَةِ آلِ الرَسُولِ ( صلى الله عليه وآله ) ومُحِبِّيهِم ، فَبَكَتِ السماءُ دَماً ، وَصَرَخَتْ بَغدادُ بِأَعلى صَوتِها : كَذِبتُم وَاللهِ حِينَ سَمَّيتُمُونِي ( مَدِينَةَ السلامِ ) ، أَيُّ سلامٍ هذا وَأَنا أَشهَدُ فِي كُلِّ يومٍ ظُلمَ بَني العبّاسِ وَجَورَهُم ، وَوُلُوغَهُم فِي سَفكِ الدِماءِ ، وإِغراقَهُم فِي الفَسادِ ؟!
حَتّى شَهِدتُ هذه الجنازَةَ مِنْ آلِ الرَسولِ المَلفُوفَةَ بالسوادِ على الجِسرِ ويُنادى عَليها بِالأََقاوِيلِ والتُهَمِ الباطِلَةِ ، أيَّ جَهلٍ تَحمِلُونَ في رُؤُوسِكُم ؟ وأَيُّ حِقدٍ جَعَلَ مِنْ قُلوبِكُم صُخُوراً ؟
فَقَطَعتُم الغُصنَ المُفعَمَ بالطِيبِ مِن شَجَرَةِ النُبُوَّةِ ، وطَرَحتُمُوهُ عَلى الجِسرِ بِبَغدادَ ، أَهكَذا تَفعلُ النُفُوسُ الخَسِيسَةُ حِينَ يُسَيطِرُ عَلَيها اللُؤمُ والَتمَلُّقُ والتَزَلُّفُ كَي تَتَقَرَّبَ بِذلِكَ إلى الحُكّامِ وَالجَلاّدِينَ بِاضطِهادِ دُعاةِ الهُدى ، وَسَفكِ دِمائِهِم ، فهَلْ سَأَلَ هؤُلاءِ أَنفُسَهُم عَمّا يَفعَلُونَهُ مِنْ جَورٍ وَظُلمٍ لِمَ يَفعَلُونَ ذلِكَ ، أَمِن أَجلِ جَاهٍ زائِفٍ .
أَو مُتَعٍ فانِيَةٍ مُنطَلِقَةٍ مِن ضِعَةٍ نَفسِيَّةٍ وَإِحساسٍ بالنَقصِ والحَقارَة ، وحاجةٍ إلى رِضى الآخَرِينَ وَقَبُولِهِم .
وأَنا أُجَفِّفُ دُمُوعِي نَظَرتُ إلى وُجوهِ الناسِ مِن حَولِي ، فَرَأَيتُ دُمُوعَهُم قَد حَفَرَتْ أَخادِيدَ على وَجَناتِهِم ، وَتَصَدَّعَت قُلُوبُهُم وَكَأَنَّهُمْ يُشاهِدُونَ مِن جَديدٍ أَحداثَ ذلِكَ الزَمَنِ أَمَامَهُم .
فتَقَدَّمَ مِن بَينِهِم شَيخٌ كَبيرٌ تَتَخَضَّبُ لِحيَتُهُ البَيضاءُ بِدُموعِهِ ، لِذا فَهُوَ يُكَلِّمُنِي بِأَنفاسٍ مُتَقَطِّعَةٍ : يا بُنَيَّ ، لَقَد نَقَلَ لنا التأريخُ ظُلمَ الحُكّامِ وَجَورَهُم لآَِلِ بَيتِ رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَإنكارِ إمامَتِهِم وَخِلافَتِهِم ، والإِِمامُ مُوسى بنُ جَعفَرٍ الكاظمُ ( عليه السلام ) ، رَغمَ أَنَّ حياتَهُ خَضَعَتْ إلى الرَقابَةِ الشَدِيدَةِ .
وَتَنَقَّلَ بَينَ السُجونِ والمُعتَقلاتِ إلاّ أَنَّهُ كانَ يُتابِعُ رِسالَةَ آبائِهِ فِي نَشرِ العُلومِ والحَدِيثِ والأََخلاقَ ، وكانَ يُدافِعُ عَن الإِِسلام وَيَرعَى المُسلِمِينَ .
وأَبسَطُ ما رُوِيَ عَنه أَنَّهُ إِذا أَعطى إلى فَقِيرٍ صُرَّةً مِنَ المالِ جَعَلَتهُ يَستَغنِي بِها ، فَلَم يَعُدِ الفَقرُ يَعرِفُ طَرِيقاً إِليهِ .
يا شَيخي ، وَكَيفَ لا يَكُونُ كَذلِكَ ؟! أَلَم يَكُن إِماماً مَعصُوماً مُفتَرَضَ الطاعَةِ مِن آلِ رَسُولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ؟!
وَهذا ما كانَ يُغِيضُ الحاكِمَ العَبّاسِيَّ هارونَ الرَشِيدَ ، وَيَجعَلُهُ يُفَكِّرُ بِاغتِيالِهِ والتَخَلُّصِ مِنهُ كُلَّما سَمِعَ أَنَّ الناسَ مُلتَفُّونَ حَولَهُ يَسأَلُونَهُ فِي أُمُورِ دِينِهِم وَيَنهَلُونَ مِن عِلمِهِ ، وَيُسَلِّمُونَ لَهُ الحُقوقَ مِن خُمسٍ وَزَكاةٍ .
وَمِنَ المُفجِعِ فِي الأََمرِ أَنَّ الذِي وَشى بِأَمرِهِ إِلى الرَشِيدِ هُوَ أَحَدُ المُقَرَّبينَ مِنَ الإِِمامِ مُوسى الكاظم ( عليه السلام ) وَقَد دَفَعَهُ حُبُّهُ لِلدُنيا وطَمَعُهُ وَجَشَعُهُ إلى الوُقُوفِ بَينَ يَدي الحاكِمِ العَبّاسِيِّ لِيُفضِي بِأَسرارِ الإِمامِ مُوسى الكاظمِ ( عليه السلام ) ، مِمّا جَعَلَ الرَشيدَ يَشعُرُ بِخَوفٍ شَدِيدٍ عَلى كُرسِيِّهِ وَسُلطانِهِ ، فَبَعَثَ إلى الإِِمامِ ( عليه السلام ) مَن يَأتِيهِ بِهِ لِيُودِعَهُ السِجنَ .
وهنا تَوَقَّفتُ عَنِ الكَلامِ ، فَالتَفَتَ الشَيخُ إِلى الناسِ الُمجتَمَعِينَ حَولَنا مُخاطِباً إِيّاهُم : هَل تَعرِفونَ مَاذا قَالَ هارُونُ الرَشِيدُ لِلإِِمامِ مُوسى الكاظِمِ ( عليه السلام ) ؟ .
لَقَد قَالَ لَهُ : كَيفَ جَوَّزتُم لِلناسِ أَن يُنسِبُوكُم إِلى رَسُولِ اللهِ ، ويَقُولُونَ لَكُم يا أَبناءَ الرَسُولِ وَأَنتُم بَنُو عَليٍّ ، وَإنّما يُنسَبُ المرءُ إِلى أَبِيهِ لا إِلى أُمِّهِ ؟
أَلَم يَتَدَبَّرِ الرَشيدُ فِي القرآنِ الكَرِيمِ ، كَيفَ لا يَعرِفُ مَعنى قَولِ اللهِ تَعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) آل عمران : 61 .
وَقَدِ اتَّفَقَ المُسلِمُونَ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ النَبِيَّ ( صلى الله عليه وآله ) دَعا عَلِيّاً وفاطِمَةَ والحَسَنَ والحُسينَ ( عليهم السلام ) ، فَكانَ عليٌّ نَفسَ النَبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وَكانَتْ فاطِمَةُ ( عليها السلام ) نِساءهُ ، وكانَ الإِمامان الحَسنِ والحُسينِ ( عليهما السلام ) أَبناءه .
فَلِمَ يَسألُ هارُونُ الرشيدُ الإِمامَ الكاظِمَ ( عليه السلام ) هذا السؤالَ ؟ هَل هُوَ جَهلٌ مِنهُ ، أَم إِنَّهُ اعتِراضٌ عَلى أَمرِ اللهِ ؟!
وهُنا سأَلَ أحدُ الحاضرِينَ : وَماذا فَعَلَ هارونُ الرشيدُ بَعدَ ذلِكَ ؟ فَأَجابَهُ الشَيخُ : جَعَلَ الإِمامَ الكاظِمَ ( عليه السلام ) يَتَنَقَّلُ مِن سِجنٍ إلى سِجنٍ ، حَتّى سَجَنَهُ آخِرَ الأََمرِ في بَغدادَ .
وَفِي سِجنِ بَغدادَ قُدِّم لِلإِِمامِ الكاظِمِ ( عليه السلام ) طَبَقٌ مِن تَمرٍ مَسمُومٍ ، وَتَناوَلَ مِنهُ الإِمامُ ، فَصارَ يَتَلَوَّى مِن شِدَّةِ الأََلَمِ ، وبَقِيَ عَلى هذه الحالةِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ يُعانِي مِن تَمَزُّقِ أَحشائِهِ حَتّى فارَقَ ( عليه السلام ) الحَياةَ .
وبَعدَ ذلِكَ شَاهَدتُ الشَيخَ يَتَّجِهُ نَحوَ مَرقَدِ الإِمامِ ( عليه السلام ) ، وَقَد مَشى خَلفَهُ الحاضِرُونَ ، فَتَبِعتُهُم بَعدَ أَن عَرفتُ أَنَّهُم ذاهِبُونَ لِزِيارَةِ ضَرِيحِ الإِِمامِ مُوسى الكاظمِ ( عليه السلام ) .
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:24 pm من طرف نجمة السماء
» اظل للموت احبك وابقى اسولف فيك..
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:17 pm من طرف نجمة السماء
» أختبار في المشاعر أي نوع من الاشخاص أنت
الجمعة سبتمبر 20, 2013 7:05 am من طرف علي العبيدي
» تفسير رؤيا الصحابه رضي الله عنهم في المنام
الأربعاء أكتوبر 20, 2010 1:00 am من طرف علي العبيدي
» إياك ان تفعلها فتذهب رجولتك
الخميس أكتوبر 14, 2010 1:15 pm من طرف نجمة السماء
» آدآب دخول المنتدى ♥ من الألف إلى اليآء ♥أرجو التثبيت
الأحد أغسطس 15, 2010 12:07 pm من طرف ابن دجلة الخير
» قصة سيدنا أيوب عليه السلام
السبت أغسطس 14, 2010 11:56 am من طرف ندى الريحان
» جاوب الي بعدك..وضع سؤالا
السبت أغسطس 14, 2010 11:52 am من طرف ندى الريحان
» بعض ما قيل في رجال العراق
الإثنين أغسطس 02, 2010 11:29 am من طرف نجمة السماء