سؤال: هل هذا الدعاء دعاء الخضر؟.. وهل علي -عليه السلام- وهو وصي رسول الله، يحتاج إلى دعاء الخضر حتى يتعلم منه؟.. من هو الخضر، هل هو من الأحياء؟.. هل هو الذي لاقاه موسى -عليه السلام- في تلك القصة المعروفة في سورة الكهف؟..
لا بأس أن نسلط الضوء قليلا على الشخصية الثانية في دعاء كميل، ألا وهو الخضر.. يبدو من بعض العبارات أنه كان نبيا رغم أن الآية تقول: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا} وصفة هذا العبد {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.. فالقرآن لم يصرح أنه نبي، ولكن التعبير {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} وما قام به من حركات غريبة: من قتل إنسان بريء، وخرق السفينة؛ هذا العمل لا يجوز شرعا، {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} فموسى -عليه السلام- لم يستطع الصبر؛ لأنه مأمور بحسب الشريعة، وهذا العبد الصالح يقوم بما هو فوق الشريعة، وهذا يعني أنه يأخذ الأوامر من الله -عز وجل- مباشرة بنحو الاستثناء.. فمال الغير لا يجوز إتلافه، وهذه قاعدة عامة؛ وكذلك قتل النفس.. ولكن الخضر له إذن خاص؛ ومعنى ذلك أن هذا الرجل في درجة عالية من القرب إلى الله تعالى.
لنقلّب ما هي خصوصيات الخضر؛ حتى بعد ذلك نعلم لماذا علي -عليه السلام- يقول: هذا الدعاء هو دعاء الخضر؟.. وكونه دعاء الخضر؛ يعني أن هذه المضامين كانت عنده، ولا غرابة في ذلك مادام هذا الدعاء في قلب الخضر، والخضر عبد من عباد الله، علمه الله من لدنه علما، ما المانع أن يكون هذا العلم قذف في قلب الخضر، ورب العالمين قذف هذا الدعاء في قلب أمير المؤمنين عليه السلام؟.. وبعبارة أخرى: رب العالمين علمه الخضر بلغته سواء العبرانية أو غيرها، وعلمه علي -عليه السلام- باللغة العربية.. فإذن، هذا ليس معناه أن عليا -عليه السلام- في مرتبة أقل من الخضر وهذا واضح!.. وعلينا أن نعلم أن الخضر كان في زمان موسى عليه السلام، وموسى من الأنبياء أولي العزم.. وحسب الظاهر المرتبة الرسمية لموسى -عليه السلام- أرقى من الخضر، فالخضر عبد صالح له علم خاص، ولكن ليس معنى ذلك أنه أرقى من موسى عليه السلام.. وعلي -عليه السلام- وصي النبي الخاتم، ونحن نعلم أن النبي الخاتم أرفع منزلة من موسى عليه السلام، ولعلي -صلوات الله عليه-علم الكتاب {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} علي وارث علم القرآن من النبي، هو القرآن الناطق، فإذن من المسلّم أن منزلته أرقى من هذا العبد الصالح.
إن الوسام الأول الذي علقه القرآن الكريم على صدر الخضر، أنه عبد {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا}.. هذا الوسام الذي نذكره نحن أيضا للنبي الخاتم في التشهد (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) العبودية أولا، ثم الرسالة ثانيا.. فلولا أنه عبد لما صار رسولا، وعلي -عليه السلام- لولا أنه عبد لما صار وصيا.. ونحن كذلك: إذا أردنا أن نصبح لله أولياء مقربين، متقين؛ فإن الطريق الأول هو طريق العبودية.. ولا نعني من العبودية، إلا أن يستشعر الإنسان بأنه مأمور في هذه الدنيا بأوامر ونواهي، ولا فضل له في ذلك.. مشكلتنا نحن أنه عندما نقوم بطاعة متميزة، مثلا: شاب يختلي مع فتاة، كخلوة زليخة مع يوسف، ثم يجاهد نفسه.. صحيح هذا سعيه مشكور، ويجزى خير جزاء!.. ولكن من التحليل والدقة، لا نرى بأنه قام بأمر عجيب غريب، فهو مأمور أن لا يقترب من هذه الفتاة، وأن لا يلمسها وانتهى الموضوع!.. لو أن هذه الحركة، أو هذه الخلوة كانت في محضر السلطان، والسلطان له أعوانه وله جلاوزته؛ لما تجرأ أن يعمل خلاف ما يريده السلطان في محضره.. وهو الآن في محضر سلطان السلاطين، في محضر رب العالمين.. فإذن، إن واقع الحال أنه ما قام بشيء يورث له العجب.
إن مشكلة الشباب عادة تعود إلى القضايا النسائية، والقضايا النسائية تعود إلى النظر.. فالذي لا ينظر؛ لا يتفاعل ولا يثار.. فإذا لم يتفاعل ولم يثار؛ لن يرتكب الحرام.. ولهذا نقول: اقضوا على الحرام في مهده، لأنه إذا زرعت بذرة الحرام ونبتت؛ عندئذ من الصعب أن تقلع هذه الشجرة.. إن الذي لا ينظر، وخاصة للمناظر المثيرة؛ هذا بمثابة من أعطاك جهاز تصوير وقال لك: هذا الجهاز أمانة عندك، صوّر به ما تشاء من الصور، إلا المنظر الفلاني، وإلا الزاوية الفلانية.. هذه لك هدية مجانية، إلى ستين سنة، وهذا الجهاز في يدك.. والذي يلتزم بهذا الشرط يعتبر بطل نادر، لأنه إنسان عمل بالشرط وانتهى الأمر!.. إن رب العالمين أعطاك عينين، لو خيرت بين نعم الدنيا وقصورها، وبين سلب نعمة البصر؛ سوف تقول: خذوا مني ما تشاؤون، واجعلوا لي نعمة البصر حتى أنظر إلى الطبيعة، اجعلوني في كوخ أنظر إلى زوجتي وأولادي وإلى الطبيعة، ما لي وللقصور والبيوت!.. رب العالمين أعطاك هذه النعمة الصغرى لمدة ستين أو سبعين سنة، وقال: انظر إلى ما تريد إلا إلى الوجوه المحرمة.. انظر إلى النساء، ولكن من دون ريبة أو شهوة، والفتاوى الموجودة الآن تقول: إن النظر جائز إذا كان بنية صافية، من دون وجود خلفيات باطنية.. فإذن، إن الذي يستعمل هذه من دون النظر إلى النساء، ما قام بأمر ملفت جدا.. ولكن من دون معرفة هذه الخلفية نقول: هذا الشاب لا نظير له، هذا الشاب في جنة الفردوس، هذا الشاب كذا وكذا.
{فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَاآتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.. هذا العلم ما جاء من الكتب، وليس من مصاحبة موسى عليه السلام، بل موسى استفاد منه عندما {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} فهو معلمه، وموسى كليم الله، وهو من أنبياء أولي العزم.
وعليه، فإن باب المعرفة، وباب الإلهام، وباب التعليم الإلهي؛ مفتوح للجميع.. وفي القرآن الكريم، عينات من غير الأنبياء، تثبت أن هناك اتصالا بين رب العالمين وبين هذه الموجودات، مثلا: أولا في عالم الطبيعة، وليس فقط في عالم بني آدم، رب العالمين عندما يصل إلى النحلة، والنحلة حشرة ما قيمتها؟.. وإن كان ما يخرج منها فيه شفاء للناس {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} في تعبير كتب العلوم هذه الأيام يقال: الطبيعة علمتها ذلك، وهذا تعبير سخيف.. فهل يوجد مسلم يقول: أن الطبيعة علمت النحلة أن تعمل كذا؟.. بل قل: الله -عز وجل- أوحى لها، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.. وكذلك رب العالمين أوحى إلى أم موسى وهي امرأة، لا هي نبي ولا وصية نبي، رب العالمين أوحى إليها وربط على قلبها {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.. والتثبت الذي صار في قلب أهل الكهف {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ}، بسبب هذا الإيمان، يقول القرآن: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} إنه تصرف إلهي في قلب هؤلاء، وطبعا عندما يصل الأمر إلى نوم أهل الكهف، الإنسان ينتابه العجب من لطف رب العالمين ببعض عباده!.. الأم إذا كان لديها ابن معوق عندما ينام تقلبه يمينا وشمالا؛ لأنه إذا نام فترة طويلة على جهة واحدة، يصاب بتقرحات ويفسد لحمه.. ورب العالمين -جل جلاله- عن هذه التعابير كأنه في دور الأم، {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}؛ لئلا تفسد أبدانهم.
وطبعا بالنسبة إلى آسية زوجة فرعون لا توجد كلمة أوحى الله عز وجل، والإيحاء هنا بمعنى الإلهام، ليس بمعنى الوحي الأنبيائي، ولكن نعرف أن هناك علامة متميزة لهذه المرأة التي كانت في قصر فرعون عندما {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} تطلب مقام العندية عند الله عز وجل، كل الجنة لله وعند الله، ولكن امرأة فرعون هذه المرأة الصالحة تقول: رب، أنت ابنِ لي عندك.. فقد تعني بهذه العبارة: أنا أريد قصراً أنت يا رب تشرف على بنائه مباشرة، أنت يا رب فقط، لا الملائكة، ولا رضوان خازن الجنان مثلا.
إن هذا العبد الصالح، هو من الذين أعطاهم رب العالمين نعمة الحياة إلى الآن على الأرض، هو ونبي الله عيسى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ}، فنبي الله عيسى حي مرزوق، وكذلك الخضر حي مرزوق، وهنالك قول أن النبي إلياس حي أيضا.. الخضر -كما هو معروف من بعض النصوص- كان على صلة بأئمة أهل البيت عليهم السلام، ويحضر كل موسم، يحج بيت الله الحرام، وهنيئا له من ذلك العصر إلى يومنا هذا كم له من التوفيق!..
وعلى كلٍ الفضل والتبعية لمن له مقام متميز، موسى من أنبياء أولي العزم يقول: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} أنت معلمي؛ لأن هنالك عطاء إلهيا خاصا لك، حيث أعطاه الله العلم اللدني.. قد تكون أنت أعلم من إنسان في بعض الجهات، وهو أعلم منك في بعض الجهات؛ ما المانع أن تستفيد من علم من هو أعلى منك في بعض الجهات؟.. في تاريخ بعض علماء النجف الأشرف، كان الأستاذ هو الأعلم في الفقه وفي الأصول، وكان له حلقة تدريس.. ولكن كان ينظر إلى بعض طلبته، فيرى فيهم تميزا أخلاقيا؛ كان يتخذه شبه أستاذ له.. فإذن، ما المانع أن تكون في الإنسان هذه الصفة الإلهية؟..
[size=16]
لا بأس أن نسلط الضوء قليلا على الشخصية الثانية في دعاء كميل، ألا وهو الخضر.. يبدو من بعض العبارات أنه كان نبيا رغم أن الآية تقول: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا} وصفة هذا العبد {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.. فالقرآن لم يصرح أنه نبي، ولكن التعبير {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} وما قام به من حركات غريبة: من قتل إنسان بريء، وخرق السفينة؛ هذا العمل لا يجوز شرعا، {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} فموسى -عليه السلام- لم يستطع الصبر؛ لأنه مأمور بحسب الشريعة، وهذا العبد الصالح يقوم بما هو فوق الشريعة، وهذا يعني أنه يأخذ الأوامر من الله -عز وجل- مباشرة بنحو الاستثناء.. فمال الغير لا يجوز إتلافه، وهذه قاعدة عامة؛ وكذلك قتل النفس.. ولكن الخضر له إذن خاص؛ ومعنى ذلك أن هذا الرجل في درجة عالية من القرب إلى الله تعالى.
لنقلّب ما هي خصوصيات الخضر؛ حتى بعد ذلك نعلم لماذا علي -عليه السلام- يقول: هذا الدعاء هو دعاء الخضر؟.. وكونه دعاء الخضر؛ يعني أن هذه المضامين كانت عنده، ولا غرابة في ذلك مادام هذا الدعاء في قلب الخضر، والخضر عبد من عباد الله، علمه الله من لدنه علما، ما المانع أن يكون هذا العلم قذف في قلب الخضر، ورب العالمين قذف هذا الدعاء في قلب أمير المؤمنين عليه السلام؟.. وبعبارة أخرى: رب العالمين علمه الخضر بلغته سواء العبرانية أو غيرها، وعلمه علي -عليه السلام- باللغة العربية.. فإذن، هذا ليس معناه أن عليا -عليه السلام- في مرتبة أقل من الخضر وهذا واضح!.. وعلينا أن نعلم أن الخضر كان في زمان موسى عليه السلام، وموسى من الأنبياء أولي العزم.. وحسب الظاهر المرتبة الرسمية لموسى -عليه السلام- أرقى من الخضر، فالخضر عبد صالح له علم خاص، ولكن ليس معنى ذلك أنه أرقى من موسى عليه السلام.. وعلي -عليه السلام- وصي النبي الخاتم، ونحن نعلم أن النبي الخاتم أرفع منزلة من موسى عليه السلام، ولعلي -صلوات الله عليه-علم الكتاب {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} علي وارث علم القرآن من النبي، هو القرآن الناطق، فإذن من المسلّم أن منزلته أرقى من هذا العبد الصالح.
إن الوسام الأول الذي علقه القرآن الكريم على صدر الخضر، أنه عبد {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا}.. هذا الوسام الذي نذكره نحن أيضا للنبي الخاتم في التشهد (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) العبودية أولا، ثم الرسالة ثانيا.. فلولا أنه عبد لما صار رسولا، وعلي -عليه السلام- لولا أنه عبد لما صار وصيا.. ونحن كذلك: إذا أردنا أن نصبح لله أولياء مقربين، متقين؛ فإن الطريق الأول هو طريق العبودية.. ولا نعني من العبودية، إلا أن يستشعر الإنسان بأنه مأمور في هذه الدنيا بأوامر ونواهي، ولا فضل له في ذلك.. مشكلتنا نحن أنه عندما نقوم بطاعة متميزة، مثلا: شاب يختلي مع فتاة، كخلوة زليخة مع يوسف، ثم يجاهد نفسه.. صحيح هذا سعيه مشكور، ويجزى خير جزاء!.. ولكن من التحليل والدقة، لا نرى بأنه قام بأمر عجيب غريب، فهو مأمور أن لا يقترب من هذه الفتاة، وأن لا يلمسها وانتهى الموضوع!.. لو أن هذه الحركة، أو هذه الخلوة كانت في محضر السلطان، والسلطان له أعوانه وله جلاوزته؛ لما تجرأ أن يعمل خلاف ما يريده السلطان في محضره.. وهو الآن في محضر سلطان السلاطين، في محضر رب العالمين.. فإذن، إن واقع الحال أنه ما قام بشيء يورث له العجب.
إن مشكلة الشباب عادة تعود إلى القضايا النسائية، والقضايا النسائية تعود إلى النظر.. فالذي لا ينظر؛ لا يتفاعل ولا يثار.. فإذا لم يتفاعل ولم يثار؛ لن يرتكب الحرام.. ولهذا نقول: اقضوا على الحرام في مهده، لأنه إذا زرعت بذرة الحرام ونبتت؛ عندئذ من الصعب أن تقلع هذه الشجرة.. إن الذي لا ينظر، وخاصة للمناظر المثيرة؛ هذا بمثابة من أعطاك جهاز تصوير وقال لك: هذا الجهاز أمانة عندك، صوّر به ما تشاء من الصور، إلا المنظر الفلاني، وإلا الزاوية الفلانية.. هذه لك هدية مجانية، إلى ستين سنة، وهذا الجهاز في يدك.. والذي يلتزم بهذا الشرط يعتبر بطل نادر، لأنه إنسان عمل بالشرط وانتهى الأمر!.. إن رب العالمين أعطاك عينين، لو خيرت بين نعم الدنيا وقصورها، وبين سلب نعمة البصر؛ سوف تقول: خذوا مني ما تشاؤون، واجعلوا لي نعمة البصر حتى أنظر إلى الطبيعة، اجعلوني في كوخ أنظر إلى زوجتي وأولادي وإلى الطبيعة، ما لي وللقصور والبيوت!.. رب العالمين أعطاك هذه النعمة الصغرى لمدة ستين أو سبعين سنة، وقال: انظر إلى ما تريد إلا إلى الوجوه المحرمة.. انظر إلى النساء، ولكن من دون ريبة أو شهوة، والفتاوى الموجودة الآن تقول: إن النظر جائز إذا كان بنية صافية، من دون وجود خلفيات باطنية.. فإذن، إن الذي يستعمل هذه من دون النظر إلى النساء، ما قام بأمر ملفت جدا.. ولكن من دون معرفة هذه الخلفية نقول: هذا الشاب لا نظير له، هذا الشاب في جنة الفردوس، هذا الشاب كذا وكذا.
{فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَاآتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.. هذا العلم ما جاء من الكتب، وليس من مصاحبة موسى عليه السلام، بل موسى استفاد منه عندما {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} فهو معلمه، وموسى كليم الله، وهو من أنبياء أولي العزم.
وعليه، فإن باب المعرفة، وباب الإلهام، وباب التعليم الإلهي؛ مفتوح للجميع.. وفي القرآن الكريم، عينات من غير الأنبياء، تثبت أن هناك اتصالا بين رب العالمين وبين هذه الموجودات، مثلا: أولا في عالم الطبيعة، وليس فقط في عالم بني آدم، رب العالمين عندما يصل إلى النحلة، والنحلة حشرة ما قيمتها؟.. وإن كان ما يخرج منها فيه شفاء للناس {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} في تعبير كتب العلوم هذه الأيام يقال: الطبيعة علمتها ذلك، وهذا تعبير سخيف.. فهل يوجد مسلم يقول: أن الطبيعة علمت النحلة أن تعمل كذا؟.. بل قل: الله -عز وجل- أوحى لها، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.. وكذلك رب العالمين أوحى إلى أم موسى وهي امرأة، لا هي نبي ولا وصية نبي، رب العالمين أوحى إليها وربط على قلبها {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.. والتثبت الذي صار في قلب أهل الكهف {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ}، بسبب هذا الإيمان، يقول القرآن: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} إنه تصرف إلهي في قلب هؤلاء، وطبعا عندما يصل الأمر إلى نوم أهل الكهف، الإنسان ينتابه العجب من لطف رب العالمين ببعض عباده!.. الأم إذا كان لديها ابن معوق عندما ينام تقلبه يمينا وشمالا؛ لأنه إذا نام فترة طويلة على جهة واحدة، يصاب بتقرحات ويفسد لحمه.. ورب العالمين -جل جلاله- عن هذه التعابير كأنه في دور الأم، {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}؛ لئلا تفسد أبدانهم.
وطبعا بالنسبة إلى آسية زوجة فرعون لا توجد كلمة أوحى الله عز وجل، والإيحاء هنا بمعنى الإلهام، ليس بمعنى الوحي الأنبيائي، ولكن نعرف أن هناك علامة متميزة لهذه المرأة التي كانت في قصر فرعون عندما {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} تطلب مقام العندية عند الله عز وجل، كل الجنة لله وعند الله، ولكن امرأة فرعون هذه المرأة الصالحة تقول: رب، أنت ابنِ لي عندك.. فقد تعني بهذه العبارة: أنا أريد قصراً أنت يا رب تشرف على بنائه مباشرة، أنت يا رب فقط، لا الملائكة، ولا رضوان خازن الجنان مثلا.
إن هذا العبد الصالح، هو من الذين أعطاهم رب العالمين نعمة الحياة إلى الآن على الأرض، هو ونبي الله عيسى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ}، فنبي الله عيسى حي مرزوق، وكذلك الخضر حي مرزوق، وهنالك قول أن النبي إلياس حي أيضا.. الخضر -كما هو معروف من بعض النصوص- كان على صلة بأئمة أهل البيت عليهم السلام، ويحضر كل موسم، يحج بيت الله الحرام، وهنيئا له من ذلك العصر إلى يومنا هذا كم له من التوفيق!..
وعلى كلٍ الفضل والتبعية لمن له مقام متميز، موسى من أنبياء أولي العزم يقول: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} أنت معلمي؛ لأن هنالك عطاء إلهيا خاصا لك، حيث أعطاه الله العلم اللدني.. قد تكون أنت أعلم من إنسان في بعض الجهات، وهو أعلم منك في بعض الجهات؛ ما المانع أن تستفيد من علم من هو أعلى منك في بعض الجهات؟.. في تاريخ بعض علماء النجف الأشرف، كان الأستاذ هو الأعلم في الفقه وفي الأصول، وكان له حلقة تدريس.. ولكن كان ينظر إلى بعض طلبته، فيرى فيهم تميزا أخلاقيا؛ كان يتخذه شبه أستاذ له.. فإذن، ما المانع أن تكون في الإنسان هذه الصفة الإلهية؟..
[size=16]
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:24 pm من طرف نجمة السماء
» اظل للموت احبك وابقى اسولف فيك..
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:17 pm من طرف نجمة السماء
» أختبار في المشاعر أي نوع من الاشخاص أنت
الجمعة سبتمبر 20, 2013 7:05 am من طرف علي العبيدي
» تفسير رؤيا الصحابه رضي الله عنهم في المنام
الأربعاء أكتوبر 20, 2010 1:00 am من طرف علي العبيدي
» إياك ان تفعلها فتذهب رجولتك
الخميس أكتوبر 14, 2010 1:15 pm من طرف نجمة السماء
» آدآب دخول المنتدى ♥ من الألف إلى اليآء ♥أرجو التثبيت
الأحد أغسطس 15, 2010 12:07 pm من طرف ابن دجلة الخير
» قصة سيدنا أيوب عليه السلام
السبت أغسطس 14, 2010 11:56 am من طرف ندى الريحان
» جاوب الي بعدك..وضع سؤالا
السبت أغسطس 14, 2010 11:52 am من طرف ندى الريحان
» بعض ما قيل في رجال العراق
الإثنين أغسطس 02, 2010 11:29 am من طرف نجمة السماء